Header Ads



من أنت؟؟




من أنت؟؟

أصعب سؤال في الحياة هو أن يسألك أحدهم أنت مين؟؟ وهذا السؤال وجدته في ملاحظاتي وسط ملاحظاتي التي دونتها في محاضرة علم نفس حضرتها منذ سنوات.. 

أصدقكم القول؟؟ عندما لمحت السؤال، وهو مظلل بقلم "ماركر" أصفر شعرت كما لو أن الثلاثون عامًا التي مضت في حياتي تخبرني بإجابات عبثية مبعثرة، مشتتة بين الذكريات والأحزان ولحظات النجاح والفشل والخيانة والحب وخيط القدر الأحمر المعقود بألف عقدة وعقدة لا تسمح له بالوصول لنصف حياتي الأخر.

غرقت بين خمس حروف منتهية بعلامة استفهام وكأني في منتصف المحيط في ليلة قمرها مُحاق؛ فلا مذكرات تسعفني لتذكر سنواتي الماضية، وكيف كانت هبه وقتها، ولا حتى ذكائي نصفني.. 

سؤال واحد قلب أيامي رأسًا على عقب، أخذني معه في دوامة، وحوّل عقلي لإعصار اتسعت حلقاته في البداية ثم تضاءلت حتى وصلت لنقطة صماء، وحينها شعرت كما لو أن العالم كله تخلى عني بالفعل، حتى مشاعري وأفكاري ومعتقداتي وذكرياتي، ولكن رغمًا عن حالة الفراغ تلك إلا أن هناك شيء واحد فقط هو من تبقى لي، وهو هذا السؤال المخيف "من أنت؟؟".

حقًا من أنا؟؟ هل أنا مجرد كائن حي مُزين بعقل؟؟ أم إنسان يُخطئ ويصيب ويتخبط بين مشاعره وأفكاره، ويفخر بانتصاراته ونجاحاته ويندم على قراراته وفشله؟؟ هل أنا مجرد أيام فحسب؟؟ هل وجودي وأهميتي في الحياة نابعة من ذاتي أم مُقترنة بمشاعر الآخرين تجاهي وأهمية وجودي في حياتهم؟؟ 

حقًا كيف نُجيب على هذا السؤال العميق؟؟ هل أجيب بالأنا الخاصة بحياتي وكل شيء متعلق بي وكأن العالم يدور من حولي؟؟ أم أجيب بالأنا الخاصة بتأثير وجودي على الآخرين، وعلى العالم من حولي؟؟

أعتقد أن أكثر شخص يستطيع معرفتك هو أكثر شخص يعشقك، ويعتبرك توأم روحه؛ لأنه سيكون مرآتك الحقيقية، وفي عيونه سترى ذاتك وما يجول بداخلك، حتى روحك ستُبصر طريقها في وجوده.

لهذا السبب لا تشغلوا أنفسكم بالبحث عن إجابات لهذا السؤال؛ لأن إجاباتكم ستكون عبثية كإجابتي، ولكن عوضًا عن ذلك أبحثوا عن نصفكم الأخر فهو الوحيد من يملك الإجابة على هذا السؤال الغامض "من أنت؟!!".  

والآن هل تعرفون ما هو الأسوأ من عدم معرفتك بذاتك؟؟ أن لا تعرف قيمة نفسك، وتغرق في التواضع لدرجة تجهل فيها أهميتك ومكانتك الحقيقة، وتلك الحقيقة أدركتها مؤخرًا ربما لأني أحب الاستماع للنقد أكثر من المدح؛ لذلك لم أكترث كثيرًا لكل من أشاد بقلمي، وظللت عاكفة على دراسة نصائحهم بدلًا من التركيز على زيادة نقاط قوتي، وهذه هي أهم نصيحة سأخبركم بها اليوم بعد نصيحة معرفة الذات، وهي أن تمشي مع نفسك في طريقين متوازيين أحدهما إصلاح نقاط ضعفك والأخر تحسين نقاط قوتك وربطها بمهارات أخرى، يعني مثلًا أولئك الذين يملكون موهبة إجادة اللغات من خلال السمع فحسب يجب أن يركزوا على نقطة القوة تلك ويبدءوا في دراسة لغة أو اثنين.

والآن دعونا نذهب في رحلة شخص يُدعى سامي.. سامي منذ صغره وهو معتاد على أن تنظم والدته حياته، وتخطط لها حتى وصل لمرحلة الجامعة، وقتها أخبرته والدته أن كلية إدارة الأعمال ستساعده كثيرًا بعد تخرجه، ولكنه رفض وأخبرها أنه يريد الذهاب لكلية تجارة إنجليزي بجامعة عين شمس بما أنها أقرب لمنزله ولا يريد أن يذهب لكلية إدارة الأعمال البعيدة عن منزله إلا أن والدته أصرت عليه، وبالفعل أنصاع لرغبتها ودخل إدارة الأعمال، وفي عامه الأول لم ينجح في ثلاث مواد بالجامعة، وقتها قال لوالدته أنتِ السبب لأني لم أرغب في دخولها من البداية إلا أن الأم برمجته من جديد فتقبل مصيره، وأكمل دراسته في كلية إدارة الأعمال، وبعد الانتهاء من الجامعة خططت لدراسته للغة الإنجليزية وأكملت دورها بحجز وظيفة مرموقة له تتناسب مع شهادته، والآن أخبروني هل بإمكان سامي الآن أن يُحدثنا عن نفسه لو سألناه "من أنت"؟!! أعتقد أن كل جملة سيقولها ستبدأ بماما وتنتهي بماما.

ولكن السؤال الأخطر هنا هو: هل ما فعلته الأم شيء صحيح أم ترك الابن بمفرده ليقرر مصيره هو القرار الأصح؟؟ من وجهة نظري لا هذا ولا ذاك لأني أعرف أبناء كُثر مدللين وبسبب ترك الأم والأب قرار تحديد المصير بيد الابن نجد أن أغلب شبابنا اليوم تائه ومشوش ومشتت ولا يعرف ماذا يريد؛ لذا نرى الكثيرون منهم يدورون في حلقة مُفرغة اسمها التجارب الفاشلة.

خلاصة القول لا تسمح لأحد بالتدخل في حياتك ولكن يجب أن تعرف أولًا من أنت، وماذا تريد، وكيف تحقق ما تريده.. وقتها فقط ستستطيع الوصول لأحلامك.

ليست هناك تعليقات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.