صومعة بارما
لم أجد سبب أبدًا يُقنعني بعدم اعتراف أبي بمهاراتي كصحافية
وكاتبة، ولكن بعدما اقتحمت مكتبته تأكدت أني لا أرقى لمستوى هذا العملاق الذي يجلس
بجواري دائمًا في تواضع، أبي يملك مكتبة مليئة بكتب وروايات الأدب العالمي، وكتب
مر عليها أكثر من 75 عامًا، ومن ضمن الكتب التي لفتت انتباهي كانت رواية ستاندال
"صومعة بارما".
ستتعجبون من الوقت الكبير الذي أمضيته في قراءة الرواية،
ولكن لا تتعجبون لأني في 2016 قرأت أول صفحتين من الرواية وأصبت بدوار لأنها لم
تكن في مستواي العقلي حينها، كنت آنذاك غبية بما يكفي لترك تلك التحفة الأدبية
وقراءة كُتب أخرى، ولكن مؤخرًا أصابني داء الفضول، وشعرت كما لو أني هجرت شخص رائع
بسبب كبريائي الذي انجرح من عبقريته؛ فالكتب بالنسبة لي أشخاص تأخذني معها في
رحلاتهم المليئة بالمرح والحياة.
بحثت عن نسخة أكبر لأن نسخة الرواية التي بحوزتي كانت
صغيرة فوجدتها على الموقع الإلكتروني بـ(570) جنيه مصري؛ لذا زادت مشاعر الفضول
بداخلي، وبدأت في قرأتها، وأجمل شيء أعجبني أن الكاتب بدأ سرد أحداث الرواية قبل
ميلاد البطل بعام (فابريس) الشاب الإيطالي الذي يعيش في حماية عمته، التي تدافع
عنه دائمًا وتُنقذه من الموت، حبها له كان غريب جدًا لدرجة أن أيّ قارئ سيتذكر على
الفور كيف أحبت امرأة العزيز يوسف عليه السلام.
من عادتي التعرف على كاتب الرواية؛ فأنا أعشق الكُتاب الذين لا يدخرون
جهدًا في التأثير على مشاعر قرائهم، وأثناء بحثي وجدت أن ستاندال كتب الرواية في (52)
يوم فقط، وقتها شعرت أنه أصابه ما يُصيبني أحيانًا حينما تتملكني قوى غريبة تُسيطر
على يدي وتكتب هي ما تشاء؛ لذا أحببت الرواية قبل قرأتها لأنها ذكرتني بنفسي، ولكن
ما وجع قلبي أني عرفت بما يفعله ستاندال بأبطاله... ستاندال لا يدع أبطاله يعيشون
طويلًا، هل تعرفون مقولة "الفضول يقتل القط" هذا هو بالضبط ما يحدث مع
أبطاله؛ ففضولهم وعدم صبرهم لا يجعلهم يهرمون.
أجمل جملة في الرواية كانت قبل ان يدخل بستان الليمون حينما سمع صوتًا مألوفًا
يناديه ويقول: أدخل إلى هنا، يا نديم القلب...
أول ما قرأت تلك الجملة جاءت على بالي أغنية شيء من بعيد ناداني، هل اخبركم
كيف يؤثر الكاتب في قرائه؟ حينما يُشعرهم أنه يتحدث بلسانهم ويعرف كيف يشعرون
ويُخرج من داخلهم أشياء لم يتخيلوا أبدًا أنها موجودة في أعماقهم.
ليست هناك تعليقات