Header Ads



مدينة الأشباح... القصة الثالثة: مقبرة سان لويس

 


مدينة الأشباح... القصة الثالثة: مقبرة سان لويس


جلس المحقق يوسف ياسين في مكتبه بمديرية الأمن بالأقصر ينظر لملفات قضية مذبحة الكباش، ويضع صور الجرائم علي اللوح الزجاجي أمامه، ويصل الصور بتعليقاته علي كل حادثة، وكل هذا بسبب ما قاله ألفا في المؤتمر الصحفي قبل القبض عليه.

 

(فلاش باك)..

ياسين(ينظر لألفا): ألم أخبرك أن اللعبة انتهت.

ألفا: دعنا إذن نأخذ استراحة ونلتقي بعد حين. وقبل مغادرته للمؤتمر مع ضباط الأمن أقترب ألفا من ياسين(وقال بهمس): سأنتظرك بعد شهر من الآن في أول مكان تقابلنا فيه، فكر جيداً؛ لأن لقاءنا الأول لم يكن في بوتسوانا.

لكن ياسين حتى الآن، وبعد مرور (3) أسابيع علي اعتقال ألفا، لم تسعفه ذاكرته ولا يزال يحاول بشدة معرفة متى وأين قابل ألفا أول مرة؛ فإذا لم يقابله في صحراء كالاهاري في بوتسوانا حينما اختطفه ألفا أثناء عودته مع الضابط عوني من الكونغو، إذن أين بالضبط كان لقائهم الأول؟؟

وبعد دقائق من النظر لورق القضية واللوح الزجاجي أتصل عوني بالجهات المختصة للتأكد من وجود ألفا في زنزانته الفردية؛ لكن قبل أن  يبدأ في الحديث صرخ فجأة: ماذا؟!! كيف اختفي، ألم تخبروني أن هذا المعتقل لا يسمح بدخول أو خروج ذبابة منه.

وأثناء تحدث ياسين في هاتفه دخل عوني للمكتب مسرعاً وكان وجهه شاحباً، فأغلق ياسين الهاتف وقال: لقد عرفت بالفعل؛ فرد عوني: ماذا عرفت؟؟ فقال ياسين: ألم تأتِ لإخباري أن ألفا هرب؟؟ فأجاب عوني: كلا.. لقد جئت لإعطائك رسالة منه...

جلس ياسين علي كرسيه بهدوء، وأشار لعوني فأعطاه الرسالة، وحينما فتح ياسين الرسالة وقرأها لم يفهم شيء منها؛ فأعاد قراءتها بصوت عالي أمام عوني:

 

“لقاءنا الأول كان مع الموتى والأشباح، ولعب السحر دوراً في ليلة القديس يوحنا، هناك تسكن ملكة لا تظهر للبشر سوي مرة واحدة كل عام، تتجول في الليل ثم تعود للاختباء مجدداً، وتذكر أن تأشيرة دخولك مرتبطة بمرورك بالأجواء الفرنسية أولاً، ولا تنسي أن ترأف بالأبرياء إذا صادفتهم؛ فهم مجرد ضحايا لأطباء فاشلون وسياسيون جشعون”

وقف عوني صامتاً باهتاً، ولم يعقب أياً منهم علي الرسالة؛ لكن ياسين لم يستسلم وقرأ الرسالة مرارا وتكرار، ووقف عند كلمات محددة وهي السحر والأشباح، وقرر أن يقوم بحل اللغز عن طريق البحث عن تلك الكلمتين بالتحديد، وأخيراً قام بحل اللغز بعدما ظهرت نتائج بحثه علي الانترنت كما يلي:

نيو أورلينز، لويزيانا

هي إحدى أكثر المدن المسكونة في العالم منذ عام 1718م؛ لأنها شهدت الكثير من الأحداث المرعبة والمخيفة من سفك دماء وتداول السحر بين السكان، وربما هي المكان الوحيد في العالم، حيث تكون أسعار المنازل التي يُقال إنها مسكونة أكثر كلفة من المنازل العادية، وتعد نيو أورلينز مدينة الفودو، إذ يرقد فيها رفات ملكة الفودو ماري لافو، ملكة سحر الفودو، ويقال أن شبح ماري يتجول في مقبرة سانت لويس ليلة عيد القديس يوحنا (23 يونيو/حزيران)، وتعتبر مقبرة سان لويس من أكثر المقابر المسكونة في العالم، وذلك بعدما أُبلغ عن رؤية أطياف ضحايا الحمى الصفراء وقتلى الحرب الأهلية من الجنود مرات لا تحصى في هذه المقبرة، ويُعد بيت مدام دلفين لالوري المسكون قصراً مشهوراً في الحي الفرنسي بعدما دمر الحريق أجزاءً من المنزل، واكتُشف وجود غرفة تعذيب في السندرة، حيث كانت مدام لالوري تعذب العبيد، وتمزقهم أحياءً، وتجري التجارب عليهم، وتزيل أجزاءً من أجسامهم، كما يقال إن أشباح هؤلاء العبيد لا تزال تسكن القصر.

وبعدما فرغ ياسين من قراءة نتائج البحث صاح في عوني الذي سقط نائماً بجواره بعدما أنهكته ألغاز الرسالة: أنت نمت يا عوني، أتصل باللواء سليمان فوراً وبلغه أني سأسافر علي أول طيارة لأمريكا، أندهش عوني وسأله: لماذا؟؟

هل عرفت المكان الذي تحدث عنه ألفا في الرسالة؟؟ لم يجيب ياسين لكنه أدار شاشة حاسوبه المحمول كي يقرأ عوني نتائج البحث، وألتقط هاتفه وأجري اتصال لحجز تذكرة متجهة لنيو أورلينز، ومكالمة أخري لحجز غرفة بفندق “هوموود باي هيلتون” بالحي الفرنسي، والذي يبعد 400 متر فقط عن مقبرة سانت لويس.

****

خرج ياسين من مطار ليك فرونت (Lakefront Airport)، و قبل أن يوقف سيارة أجرة ذهب إليه رجل كان ينتظره بسيارة

“مرسيدس بنز في كلاس” سوداء أمام صالة الوصول، وأشار له بركوب السيارة، وبعدما ركب ياسين في المقعد الخلفي أعطاه الرجل رسالتين، فتح ياسين الرسالة الأولي، وكانت عبارة عن ورقة بيضاء مكتوب في منتصفها جملتين باللغة العربية-بخط مطبوع-كما يلي:

كنت أعلم أنك بارع في الألغاز، والآن هل أنت مستعد للغز الجديد؟؟

ثم فتح الرسالة الأخرى؛ فوجدها مكتوبة باللغة العربية أيضاً؛ لكن هذه المرة كانت الحروف مرسومة بالخط الأندلسي المشهور في غرناطة الأسبانية، وكُتب فيها ما يلي:

“لا تغادر فندق هوموود باي هيلتون الليلة، ولا تذهب للمقبرة، وتذكر جيداً ماذا حدث في صحراء كالاهاري؛فالتاريخ سيعيد نفسه مجدداً لا محالة، ولكن هذه المرة لن تفلت أنت من قبضتي”.

وأثناء ذهاب ياسين للفندق، ظل يفكر في الأسباب التي دفعت ألفا لكتابة الرسالتين باللغة العربية، ولماذا غيّر نوع الخط في الرسالة الثانية وكتبه بالخط الأندلسي، وكل ما جال بخاطر ياسين وقتها هو وجه التشابه بين ما حدث للمسلمين في غرناطة -بعد سقوط الأندلس- وما حدث من مجازر بسبب السحر والحروب الأهلية في نيو أورلينز، وفي تلك الأثناء تحدث ياسين بصوت عالي، وقال: إذن ماذا يريد هذا المختل من مقارنة هذا بذاك؟؟

هل يتقمص شخصية روبن هود؟!!

وبعد دقائق وصل ياسين للفندق، ووجد موظف الاستقبال يستقبله بحفاوة مبالغ فيها، وقبل أن يسأل ياسين عن غرفته، أجابه موظف الاستقبال أن شخصية هامة جداً اتصلت بإدارة الفندق وأمرتهم بإلغاء حجز  غرفته، وحجزت الجناح الرئاسي بالفندق عوضاً عن الغرفة التي حجزها ياسين بالفعل، ودفعت كل مصاريف الإقامة مقدماً.. تعجب ياسين وسأل الموظف: هل بإمكاني معرفة من هذا الشخص الذي ألغي حجزي وحجز أهم جناح لديكم؟؟

لم يجيبه الموظف؛ لكنه أقترب من ياسين، وقال: لا أستطيع إجابتك ياسيدي، مع العلم أن أغلب الموظفين بالفندق يعتبرون تلك الشخصية من أكبر وأهم الشخصيات في العالم إلا أننا لا نعرف عنها أيّ شيء على الإطلاق حتى أسمها لا يعلمه أحد، تعجب ياسين أكثر، وذهب تفكيره إلى ألفا، ولم يستمر في استجواب موظف الفندق، وذهب للمصعد مع موظف الفندق المرافق له، والذي كان يحمل حقائب سفره، وأثناء ذهاب ياسين للمصعد نظر للأرجاء، وكأنه يستكشف المكان، ومواقع كاميرات المراقبة، وفي المصعد لمح ياسين كاميرات مراقبة في الأركان الأربعة للمصعد؛ فنظر للكاميرا علي يمينه، وتحدث -بلغة الإشارة- وقال: “أراك لاحقاً”، وبعدما وصل الموظف وياسين للجناح الرئاسي لاحظ ياسين أن الموظف سلمه حقيبة السفر، ثم ثنى أصابعه؛ وكأنه يرد علي رسالة ياسين التي أرسلها لكاميرا المصعد، وكانت يد الموظف تعني -بلغة الإشارة- “أنا أراقبك”.

حينها أيقن ياسين أن الأمر تعدى ألفا، وأن هناك طرف أخر في اللعبة يترقب تحركات كلاهما.

****

تجول ياسين في الجناح الرئاسي، وبعد مرور دقائق بحث فيها عن أجهزة التصنت وكاميرات المراقبة

أخذ ياسين هاتفه وأتصل باللواء سليمان لإخباره بأخر التطورات في نيو أورلينز إلا أن سليمان فاجئه وأخبره أنه أرسل بالفعل شخص لمساعدته في المهمة بشكل غير مباشر، ولم يوضح سليمان أيّ معلومات عن هذا الشخص حتى اسمه لم يخبر ياسين به، وذلك لحماية كلاهما ولعدم كشف هوية هذا الشخص أمام ألفا أو أجهزة الأمن بأمريكا.

وبعدما أنهى ياسين حديثه مع سليمان فتح حاسوبه المحمول، وبحث على الانترنت عن “ماري لافو”، وأثناء قراءته لمقال يتحدث عن قصة حياة ماري فوجئ برسالة غريبة أتته على الهاتف تخبره أن يأتي بعد ساعة واحدة لكاتدرائية سانت لويس في نيو أورليانز..

شعر ياسين بالفزع بعد قراءة الرسالة؛ لأن المقالة التي كان يطالعها على الانترنت كانت تحتوي على عنوان الكاتدرائية ومعلومات عنها؛ فأغلق ياسين الحاسوب على الفور وتجول مرة أخرى باحثاً عن كاميرات المراقبة وأجهزة التصنت، ولكن بحثه لم يسفر عن شيء هذه المرة أيضًا؛ لذا قام بتغيير خطوط هاتفه، واتصل بسليمان على خط أخر-غير مسجل باسمه-إلا أن سليمان تجاهل اتصاله.

وبعد خمس دقائق جاءه اتصال من رقم خاص؛ فرد ياسين على الفور، وقال: هل أنت من أرسلت لي الرسالة وأخبرتني أن أقابلك بعد ساعة في كاتدرائية سانت لويس؟؟

أعلم أنه أنت؛ لكن أخبرني أين أخفيت كاميرات المراقبة وأجهزة التصنت في الجناح؟؟ أنا بحثت عنهم ولم أجد شيء...

أنصحك بألا تستخدم تلك الحيل معي، هل تعتقد أني لن أعلم بشأن مراقبتك لحاسوبي، ولكل تحركاتي منذ لحظة وصولي لمطار ليك فرونت!!.

لم يجيب الطرف الآخر وأغلق الهاتف على الفور إلا أن ياسين كان يعلم يقيناً أن المتصل كان سليمان؛ لذا أخبره بطريق غير مباشر أنه مراقب كي لا يشك أحد-ممن يتصنتون على هاتفه وحاسوبه-أنه أخبر سليمان بموعد الكاتدرائية، وأن تحركاته كلها مراقبة حتى هاتفه وحاسوبه.

ذهب ياسين للكاتدرائية، وارتدى السترة الواقية من الرصاص، وأخذ معه مسدسه ونظاراته المزودة بكاميرا صغيرة وميكرفون متناهي الصغر، ولكنه فوجئ أن الكاتدرائية تخلو من البشر حتى الكهنة والأساقفة لم يكن لهم أيّ وجود، وكأن البشر لم يخطوها منذ عقود، وأثناء تجول ياسين في الكاتدرائية باحثاً عن دليل يقوده لهوية المتصل وإذا برجل يرتدي بلطو أسود طويل وقبعة سوداء جاء بخطوات واثقة، ووقف أمام ياسين في بقعة لا يصل إليها الضوء؛ فبادر ياسين، وقال: ألازلت تحيى في حقبة “الكاوبوي” الأمريكي؟!!

رد عليه الرجل بهدوء: هل تشعر بالغيرة لأني أبدو أوسم منك؟؟ ضحك ياسين، وقال: يبدو أنك جئت لمساعدتي وإلا كنت بدأت حديثك-كما يفعل أشرار هوليوود-بجملة “أخيراً التقينا”، نظر إليه الرجل بعد أن نزع قبعته، وقال: أخبروني أنك أذكى من أقرانك؛ لكن لم أتخيل قط أن تكون بهذا الذكاء..

 

الآن دعني أعرفك بنفسي أنا “روبرت بوريس”، وأنت من الآن فصاعداً ستكون مهمتي الأولى والأخيرة لحين القبض على ألفا والشبح الأسود، وقبل أن يكمل بوريس حديثه قاطعه ياسين: مهلاً، أنا لا آبه بمهمتك ولا بمن هم خلفك حتى ولو كانوا الـ”أف بي أي” أو الــ”سي أي أيه”؛ لأن”مهمتي أنا”الأولى والأخيرة، والوحيدة هي القبض على ألفا فحسب.

لم يجيبه بوريس، وذهب ليضيء إحدى الشموع بالكاتدرائية ثم نظر إليه، وقال: هل تعتقد أنك في وضع يسمح لك بالاختيار؟؟

صدقني معارضتي لن تجلب لك سوى المتاعب؛ لأن سلطتي تعادل سُلطة كل المؤسسات الأمنية هنا؛ لذا لا داعي أبداً لمقارنتي مع التحقيقات الفيدرالية أو حتى المخابرات المركزية...

نظر إليه ياسين ولم يُعقب، ولكن بوريس أكمل حديثه، وقال: يبدو من صمتك أنك وافقت على التعاون معي.. إذن دعني أخبرك أولاً بقصة الشبح الأسود؛ لكن ليس هنا لأن صديقنا ألفا بدأ في خطوته التالية بالفعل، وترك لك رسالة جديدة في الفندق؛ لذا يجب عليك العودة على الفور، وأستعد لإبلاغ الشرطة بعد رؤية الرسالة كي لا تتورط لاحقًا في التحقيقات..

صُدم ياسين، وقال: ما علاقة الشرطة برسائل ألفا المكتوبة، وعن أيّ تحقيقات تتحدث؟؟

ابتسم بوريس، ورد عليه: لأن ألفا لم يرسل إليك رسالة مكتوبة هذه المرة...(نظر لياسين بشفقة، وأكمل حديثه): لا تتعجل ستعرف قصدي حينما تجد الرسالة، ولكن لا تلمس أيّ شيء ولا تخطو أيّ خطوة داخل الغرفة.

****

خرج ياسين من الكاتدرائية وأفكاره لم تهدأ وخياله ذهب به لأسوأ السيناريوهات، ولكن بمجرد ما ذهب للفندق وجد الشرطة تُحاصر الفندق بأكمله، وقبل أن يخطو خطوة للداخل أصطحبه شخص غريب بعيدًا عن الفندق، وأعطاه علبة سوداء قطيفة، وأخبره أنه سيراقب تحركاته من خلال جهاز تحديد المواقع(GPS)، الذي أخفاه بداخل أزرار الأكمام الموجودة بالعلبة، وقبل مغادرته همس له: اللواء سليمان اختار تلك الأزرار من محل “أور” في مول مصر؛ فنظر له ياسين، وعَلِم على الفور أن هذا الشخص هو نفسه الشخص الذي تحدث عنه اللواء سليمان-ولم يوضح أيّ معلومة بشأن هويته-لأن محل “أور” هو أول محل دخله ياسين مع اللواء سليمان قبل ذهابهم لمنتجع التزلج “سكي إيجيبت ” في مول مصر.

وبعد إعطاءه العلبة القطيفة أقترب من ياسين، وقال: فيما بعد يمكنك أن تخاطبني بأي اسم تريده، ولكن لا تنسى أن تضع تلك الأزرار معك دائمًا كي يتسنى لي حمايتك، ولا تخف من رسالة ألفا التي تركها بالغرفة، هو فقط يريد إبعادك عن بوريس، وقبل أن يكمل قاطعه ياسين، وقال: حسنًا سأخاطبك بحازم من الآن فصاعدًا؛ لكن أخبرني أولًا كيف علمت بشأن مقابلتي مع بوريس؟؟

أجابه حازم: نحن نعلم عنك كل شيء، ونراقب كل من حولك منذ وصولك لمطار ليك فرونت، ولا تخف يمكنك الثقة بهذا الشخص، والتعاون معه، ولكن أحذر لأن ألفا لن يروقه أبدًا تعاونكما معًا؛ لذا سيحاول بشتى الطرق إفساد تعاونكم، بالضبط كما فعل الآن في غرفتك.

ياسين(باستياء): هل تعرف ماذا فعل هذا الحقير؟؟

حازم(يجيبه ببرود أعصاب): مجرد رسالة تحذير لإبعادك عن بوريس.. أذهب الآن لغرفتك كي لا تثير شكوك بوريس، وأنا سأجد الوقت المناسب لرؤيتك مرة أخرى قريبًا، وقبل أن يذهب عاد لياسين وقال بابتسامة هادئة: أحسنت الاختيار، لقد أعجبني أسم”حازم” كثيرًا.

صعد ياسين لغرفته بالفندق على الفور إلا أنه لم يستطع العبور بسلاسة بسبب محاصرة رجال التحقيقات للطابق بالكامل، ولكنه عَبَر من خلال شريط الجرائم الأصفر الذي وضعوه أمام الغرفة، وبمجرد رؤيته لجدران الغرفة رجع للوراء في ذُعر كمن رأى شبح؛ فأمسك به أحد المحققين وقال له: أهدأ مستر ياسين، أرتدي هذا وأدخل معي مسرح الجريمة؛ لأن من الواضح أن القاتل يريدك أنت بالتحديد، وأشار لورقة متروكة بجانب الجثة التي صُلبت على الحائط بأربعة مسامير-ثُبتت أطرافها الأربعة بالجدار-وكانت الرسالة كالأتي:

ما رأيك؟؟ أليس هذا المشهد أفضل بكثير من تجولك في الكاتدرائية التي تعج بالأشباح...

ورسم في نهاية الرسالة صورة جثة مشنوقة بحبل من الدماء.

رمى ياسين الورقة-بعصبية-وألتفت للمحقق، وقال: أخبروني كيف تُفلتون هذا المُختل من قبضتكم؟؟

رد المحقق(وهو يحاول تهدئة ياسين): هذا المُختل أشرس من أكبر مافيا بالعالم؛ لذا قتله أو سجنه لا يُشكلان فارق لأنه عبارة عن عنكبوت كبير نسج شبكته حول العالم؛ فحتى لو استطعنا التخلص منه لن نستطع القضاء على شبكته إلا لو اكتشفنا خططه المستقبلية.

أثناء حديثهم دخل بوريس، وحينما لمحه المحققون تنحوا جانبًا، وكأنهم رأوا مدير وكالة الأمن القومي، وحينذاك أقترب بوريس من الجثة المصلوبة على الحائط وابتسم، ونظر لياسين، وقال: يبدو أن مهمتنا ستكون أسهل مما كنا نعتقد.

نظر له ياسين في حيرة، وقال: ماذا تعني؟!!

أجابه بوريس: أعني أن ألفا والشبح الأسود قد تعاونوا بالفعل ضدنا، وأكبر دليل على ذلك الرسالة التي تركها ألفا لك.

رد ياسين: لم أفهم قصدك، كيف عرفت أنهم تعاونوا معًا؟؟ رسالة ألفا لا يوجد فيها أيّ شيء مريب باستثناء الصورة الغريبة في نهاية الرسالة.

ضحك بوريس، وقال: هذا هو بالضبط ما أتحدث عنه.. الصورة المرسومة والجثة المصلوبة، كل تلك الأشياء من فعل الشبح الأسود.

أندهش ياسين، ونظر لبوريس وقبل أن يتحدث أومأ بوريس برأسه، وقال: تخمينك في محله، ألفا أمره بكتابة الرسالة فقط، والشبح الأسود هو من أكمل باقي التحضيرات.

*****

نظر ياسين لبوريس، وقال: لماذا لم تتعرفوا على هويته بعد؟؟ أجابه بوريس: كل ما نعرفه بشأنه أنه يظهر ويختفي فجأة مثل الشبح، وأغلب جرائمه يفعلها ليلًا.. قاطعه ياسين: ولكن جريمة اليوم حدثت بعد مغادرتي لرؤيتك في الكاتدرائية، أيعني ذلك أنه قتل الضحية ليلًا، وكلّف أحدهم بنقل الرسالة، وصلب الجثة بعد مغادرتي مباشرة؟؟ أومأ بوريس برأسه: هذا احتمال وارد..

وأثناء حديثهم نظروا وإذا بالتلفاز المُعلق بالغرفة يُظهر صورة شخص يرتدي الماسك الشهير في فيلم ” Dead silence”، وفي خلفية الصورة موسيقي الفيلم، وأثناء تحدثه استخدم تقنية تغيير الصوت، ووجه حديثه لياسين: ما رأيك في مفاجأة ألفا؟؟ كنت أود أن أعطيك مفاجئات أكثر، ولكن ألفا أخبرني أنك رقيق القلب على الرغم من ذكائك وشجاعتك..سكت للحظات، ثم أكمل حديثه: لن أخبرك من أنا؛ لأني واثق أن بوريس حدثك عني بالفعل، أليس كذلك؟؟ والآن سأترككم مع مفاجأتي الثانية، وإذا صدقت الإشاعات وكنت ذكي كما خبروني عنك ستجدني أنا وألفا معًا.. طبعًا لو استطعت فك طلاسم الصورة.

اختفت صورة الشبح وصوته من شاشة التلفاز وظهر بدلًا منها صورة أخرى مركبة تحتوي على الكثير من التفاصيل، ولكن أكثر شيء يميزها كان صورة منزل قديم مُحاط بمجموعة مقابر في ليلة قمرها بدر.

نظر بوريس وياسين للصورة بتمعن، ولكن ياسين أغلق الشاشة فجأة، وخرج من الغرفة مسرعًا.

وبعد مغادرته الفندق ذهب للمطعم المجاور للمطار، وحينها جلس بوريس بجواره ونظر له في تعجب، وقال: ماذا حدث؟؟ لماذا غادرت الفندق؟؟ هل عرفت مكانهم؟؟

أجاب ياسين أثناء تصفحه قائمة الطعام: كنت أنتظر منك سؤال أذكى من تلك الأسئلة الحمقاء؟؟ رد الأخر بدهشة: ماذا تعني؟؟

ابتسم ياسين، وسرعان ما اختفت ابتسامته، وترك قائمة الطعام من يده واقترب من بوريس، وقال: آلا تجد الأمر مريبًا؟؟ لقد أرسلوا لنا صورة، وكأنهم يخبرونا أنهم يختبئون في مقبرة سان لويس، ولولا الملامة كانوا كتبوا في نهاية الصورة سننتظركم في مقبرة سان لويس يوم اكتمال القمر.

اندهش بوريس، وقال: أتعني أنهم سينصبون لنا فخًا؟؟

صمت ياسين للحظات، ثم ابتسم، وقال: ويجب أن نقع في فخهم، ولكن قبل هذا وذاك علينا أن نكتشف ماذا يريدون بالتحديد لنساعدهم في تنفيذ خطتهم.. نظر بوريس لياسين، وكأن نظراته تقول: “يا لك من وغد ذكي”.

ذهبت القوات مع بوريس وياسين لمقبرة سان لويس، وكان في انتظارهم ألفا والشبح، وقبضوا عليهم بدون أيّ مقاومة من كلاهما، وتم نقلهم لسجن مُخصص فقط للمجرمين من فئة Red 9، أو ما يعرف بــ”أكثر المجرمين خطورة ووحشية على وجه الأرض”، وبعد وصول ألفا والشبح للسجن كانوا دائمًا يجلسون بمفردهم أثناء تناول الطعام، وكأنهم يصورون جزء أخر من فيلم “Escape plan”، وبعد مرور شهر اتضحت خطة ألفا والشبح وبالفعل دبروا لخطة هروب، ولكنهم لم يهربوا بمفردهم، وأخذوا معهم كل السجناء، وقبل أن يغادر كل سجين لوجهته أستوقفهم ألفا، وقال لهم: إلى أين تذهبون؟؟ هل اعتقدتم أني أخذتكم معي من باب الشفقة؟؟

سأله أحد السجناء: ماذا تريد؟؟

وقبل أن يجيبه ألفا ظهر ياسين، وبوريس من وسط الحشد، وقال ياسين: أنا أيضًا أريد معرفة خطوتك التالية.. أو أنتظر سأخبرهم أنا بخططك، ثم نظر للسجناء، وقال: ألفا يريدكم أن تترأسوا شبكته الجديدة؛ لأنه لم يعد يثق في شركائه القدامى، أليس كذلك يا ألفا؟؟

ضحك ألفا ونظر للشبح، وقال باستهزاء: كنت أعلم أنك ذكي، ولكن الذكاء أحيانًا يؤذي صاحبه.. والآن أخبرني ماذا ستستفيد بعد معرفة خطتي؟؟؟ هل تعتقد أن بإمكانك الوقوف في طريقي، والخروج من هنا حيًا أنت وصديقك، وأكمل بنبرة استهزاء: من فضلك “Think about the odds”.

يعني هل تظن أن احتمالات مواجهة عشرات المجرمين من فئة Red 9، طبعًا بخلافي أنا والشبح، ستكون في صالحك لو حاولت مهاجمتنا؟؟

ضحك ياسين، وقال: أنا أيضًا أريدك أن تنظر للاحتمالات جيدًا؛ لأن أوراق اللعبة دائمًا تكون في صالح من يخطط للفخ الأخير.

بهت وجه ألفا، وقال: ماذا تعني؟؟

ضحك بوريس، وقال: أجبني أولًا.. أيّ فخ أفضل البداية أم النهاية؟؟

نظر ياسين لبوريس، وقال: حسنًا، لا وقت للتباهي؛ فطائرتي على وشك الإقلاع بعد ساعة، لذا أسرع رجاءًا لأني أريد العودة لبلدي، مصر وحشتني… ثم سكت، وأكمل وهو ينظر لألفا: هل تريد أن تذهب معي لمصر؟؟ السجون هناك رائعة، خاصة لو كان المجرم شخص “VIP” مثلك.. أستوقفه بوريس مازحًا، وكأن ياسين سيخطف منه غنيمته، وقال: لا يا عزيزي السجون هنا خدمة 5 نجوم.

وقبل ركوب ياسين لسيارة الشرطة مع بوريس نظر لألفا والشبح، وقال: أنا وبوريس سنرسلكم لسجن حقيقي هذه المرة؛ لأن السجن الأخير كان هو الفخ الذي أوقعناكم فيه، ثم نظر  للسجناء، وقال: لقد أنجزتم المهمة بنجاح يا أبطال.

وحينها وقف السجناء بجوار بعضهم البعض، وأدوا التحية العسكرية، وقالوا لبوريس وياسين: تمام يا فندم.

وقبل مغادرتهم ضحك ياسين لألفا، وقال: كل هؤلاء السجناء كانوا ضباط في الجيش الأمريكي، وأنت أول زعيم مافيا يفكر في تجنيد أعدائه للعمل لصالحه في شبكته الإجرامية.

ليست هناك تعليقات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.