Header Ads



صحافية مع إيقاف التنفيذ

 



 

صحافية مع إيقاف التنفيذ


قد تكون تلك أصعب مقالة اكتبها في حياتي، ولكن قبل البدء أود التركيز على نقطتين في غاية الأهمية:

1-أنا لا أشكو من أحد ولا أشكو لأحد؛ لأن ببساطة هناك باب في حياتي لا يغلق أمامي أبدًا، أدقه وقتما وأينما شئت، باب يحقق لي ما شئت، خاصة كل المعجزات التي من الممكن واللا ممكن تصورها.. أنه باب حبيبي الذي لا تأخذه سنة ولا نوم.

2-الهدف من المقالة لفت انتباه القراء لتلك الأزمة، علّهم يستطيعون مساعدة المستضعفين الذين لا يقدرون على التفوه أو كتابة ما يحدث لهم، وبما إني اليوم تأكدت إني صحافية -مع إيقاف التنفيذ- لم أستطع حل الأزمة من جذورها؛ لذا سأكتب ما رأيته "كمواطن" وسأترك العنان لأيّ زميل صحفي يحب التركيز على تلك الأزمة (مع إني أشك أن في شخص ممكن يخاطر بمهنته ومستقبله للدفاع عن تلك القضية).. بيني وبينكم أتمنى أن يتخلى البشر عن القضية ويأتي العوّن والمدد من ربّ العباد.

*أكرر مرة أخرى.. لا أحد يبحث عن حقي؛ لأن من سلّمني من البشر لمدة 34 عامًا قادرًا على تسخير عباده لحل أزمتي..

نبتدي منين الحكاية؟؟

الحكاية بدأت منذ ثلاثون عامًا، وقتها "طبيب مشهور" شخّص حالتي -خطأ- بكونها ثلاسيميا ميجور، يعني باختصار هعيش حياتي كلها كمصاص دماء، عدى النهار وما اعتدت عليه كل عشية اختفى، وبدأت رحلتي ككائن مميز.

مرت السنون أراقب أمي وهي تبحث بحرقة عن الدماء لإنقاذ حياتي، أمي بكت من أجلي كثيرًا، وهذا شيء يستفزني ويشعرني بالذنب.

دعوة فرح

جاء الفرح، على يد طبيبة أخبرتني بوجود "الهيدروكسيا يوريا" لمنع نقل الدم لفترت طويلة، بالفعل أخذته في سنوات جامعتي وعشت أجمل خمس سنوات في حياتي، وفجأة طرق الحب بابي (تخيلت إن حياتي تلونت وإني أصبحت طبيعية كسائر البشر، ولكنه رحل تاركًا روحي في حالة مزرية عجلّت بدخولي عالم مصاصي الدماء مجددًا)

*هناك تفاصيل مأساوية ومرعبة وكوميدية حدثت لي في تلك الفترة ولكن سيأتي يوم لندردش سويًّا عن كيف صمدت حتى الآن.

*حاولت التماسك بعد تلك الأزمة حتى بعد نقلي الدم على فترات متباعدة تصل لعام تقريبًا -مدة الخمس سنوات الآن أصبحت ذكرى جميلة اندثرت ولن تعود قطّ- اكتشفت بعد فترة أن الدواء الذي يحرق الحديد الزائد في الجسم مُضر جدًا بوظائف الكبد، قلت لهم: الحل إيه؟!!

-دواء يا هبه بس غالي شويتين

-كام يعني ما الهيدرا خربت بيتنا

-العلبة ب(7 آلاف) وأنتِ لازم تأخدي 3 علب كل شهر

-تجارة السلاح والمخدرات والأعضاء جت ع بالي للحظة بس استغفرت ربنا وقلت، أكيد في حل صح!!

-هتروحي تعملي تحاليل كثيرة تثبت أنك ثلاسيميا وتروحي مستشفى واحدة بس هي المتخصصة في استقبال الورق ده "يوم الأحد فقط" وهما هيخلوكي ضيفة عندهم اليوم كله.

(فكرت أن أول مهمة هتضيع مني يوم تحاليل وأشعة، واليوم الثاني هبات عندهم تحت تهديد السلاح؛ فعزفت عن الفكرة من أساسها).. ربنا وقتها فتح لي أبواب وحصلت على 3 علب من الدواء الذهبي ده... بس فكرت ليه الدكتور هيحتجزني عنده لمدة يوم؟؟ 

خطر ع عقلي الحوار العبثي التالي:

-أ. هبه اتفضلي بتشتكي من إيه؟؟

-دي تحاليلي حضرتك أيه إجراءات إنهاء ورق العلاج هنا؟

-لا التحاليل دي مش موثوقة، أحنا لازم نكشف على أعصابك، عقلك، قلبك... ونعملك شيك آب كامل عشان ف الآخر متخديش الدواء..

-!!!!!!!!!!!

-قصدي ممكن يكون خطر عليكي يعني.. يا لا افتحي بوقك خليني أشوف سنانك

-وإيه علاقة سناني بالفرتين، والهيموجلبين؟؟

-درس العقل حضرتك هيوضحلي الشيء اللي بدور عليه... أهو مش قلتلك، عمرك في البطاقة (34) ودرس العقل بيؤكد إنك عندك (100) سنة.

-مستحيل إيه الكلام ده.. حضرتك دكتور ف إيه بالظبط؟ آآآه في جمبنا كلية طب بيطري أكيد حضرتك هربت منها، قصدي اتخرجت منها.

-يا آنسة، مش آنسة بردو (في عقلي اتجمعت كل الشتايم التركية، وإيدي مسكاها بالعافية عشان مضربهوش، شاف ملامح وشي قلبت فكمل كلامه باحترام على أمل يحافظ ع هيبته كدكتور حمير)... أ. هبه الحالة دي مشهورة جدًا عندي في الكلية اسمها "الثلاسيميون الخالدون"... أنتي نقلتي كام كيس دم في حياتك؟

-متعدش يا دكتور أنا أخدت دم من المصريين أكثر من دم شهداء 67، 73 اللي سقوا بيها أرض سيناء.

-ده أكبر دليل على النظرية بتاعتي، قصدي اللي درسناها... الدم ده بيظهرك صغيرة في العمر لكن مع الوقت هيظهر عمرك الحقيقي، تعرفي لو بطلتي دم لمدة 10 سنين مثلًا إيه اللي هيحصلك؟

-إيه؟!!

-هتظهرلك تجاعيد كثيرة وتبقي شبه العجوزة اللي خلاص قربت تودع، يرضيكي أبدد فلوس الدولة عليكي وأنتي فاضلك أقل من سنة وتموتي؟؟

-تصدق عندك حق يا دكتور.. أنا شفت المسلسل ده قبل كده كان اسمه "فامبيرز دايرز"، هما فعلًا عملوا معايا كده من 8 سنين، الدكاترة اللي رحتلهم كتبوني 62 سنة بدل 26، وقتها كانوا عايزين يعملوا لي منظار بحجة أنهم خايفيين عليا، وكانوا ناويين فعلًا يوفروا كيسين الدم اللي أخدتهم ويدخلوني ع المشرحة ع طول زي زميلهم اللي كتبلي شهادة وفاة وأنا صغيرة بعد ما ادوني دم غلط، بس سبحان الله ربنا له تدابير أخرى، كل أما تحاولوا تموتوني بيكتب لي عمر جديد، وقتها الدكاترة دي تراجعوا لما شافوا في البطاقة كلمة "صحافة"

-أنتي صحافية؟!!!!!!!!!

-لا متقلقش يا دكتور أنا صحافية مع إيقاف التنفيذ مش هيجيلكم أيّ ضرر من عندي.

النهاية السعيدة

عدت الآن من المستشفى بخبرين غاية في السعادة: عدت للدواء الأول "المؤذي" بتاع الفرتين وهدعي ربنا مع كل قرص أن يُعجِل بالخير، أي خير دنيوي أو برزخي.

الخبر الثاني: الهيدرا (البطل المغوار) اللي بتباعد فترات نقل الدم اختفت كل أنواعها من السوق، عدا الألماني (السعر يوضح السبب في كل شيء).

كانت معكم "هبه مرجان" التي تعاني حاليًا من أعراض مختلفة نتيجة أخذ دم مفلتر وآخر غير مفلتر، يدي باردة كالثلج ورأسي أشبه بغلاية درجة حرارة الدماء فيها وصلت لدرجة الصداع المزمن والحمى.. بسبب الأخبار السعيدة التي نزلت ع مسامعي كمطر أغسطس.

لكن تذكروا دومًا أن البشر والحياة ما هم سوى اختبارات في حياتنا تُقيس درجة ثقتنا في الله وتعلقنا به لدرجة أن أبوابه جميعها أصبحت مفتوحة لقرب المسافة بيننا.. اللهم ارزقني حسن الظن بك وصدق التوكل عليك.

آخر ملحوظة: كان بإمكاني سرد تفاصيل أكثر تنذر بخطورة الأزمة الدوائية في مصر، ولكن لا فائدة من الكلام عن تفاحة فاسدة طالما الصندوق كله أمسى فاسدًا.

كان بمقدوري ترجمة المقالة للإنجليزية، ولكن ما زال بداخلي شيء يخبرني أن بلدي لا تستحق نشر غسيلها ع الملأ؛ لأن فيها أشياء أجمل بكثير أحب ترجمتها عنها وليس الشكوى منها، وبيني وبينكم أوردتي المنكوبة تؤلمني، ولم تعد قادرة على الضغط على أزرار الكيبورد. 

ليست هناك تعليقات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.