الشيطانة والقديسة
الشيطانة والقديسة
لا تخدع نفسك وتظن أن لديك القدرة على معرفة الآخرين؛ فكل إنسان يمر بلحظات لا يستطيع فيها التعرف على ذاته، ويظل يتسأل ويتسأل: ماذا يحدث لي؟؟ لماذا اتصرف بهذه الطريقة؟؟ لماذا لم ألقمهم حجرًا حينما أمطروني بوابل من التصرفات الأنانية والتي تنم عن شيء واحد فقط وهو "نفسيتهم المريضة الغير سوية التي تتفنن في أذية الغير"؟!!!
إليكم جزء بسيط من تلك المعركة التي تدور بداخلنا كل يوم، سأحدثكم عن جانب آخر شيطاني في نفوس البشر، جانب لم يسلم منه أحد ولا حتى الأنقياء الأسوياء.
بدأت الكواليس بالأمس ذهبت إليها وحينما سألتها عن الأخرى كادت أن تنفجر غضبًا وتطردني من المكان لولا ذكاءها الذي دفعها نحوي وأجبرها على احتوائي بدلًا من إبعادي عن طريقها.
أدخلتني وعلى وجهها ابتسامة مطمئنة، كنت لا أنوي التدخل في التفاصيل ونبش جرحها، ولكن قهرها من تلك التي سألت عنها جعلها تنفث عن استيائها وتخبرني أنها تعرضت لطعنة في الظهر من تلك الخائنة التي تركتها وهي في أمس الحاجة إليها، كنت أريد إخبارها بأني لم أرَ تلك الخائنة سوى مرة واحدة فقط في حياتي وهذا اللقاء لم يتجاوز النصف ساعة، وإني بكره الخونة والخيانة بكل أشكالها، ولكني وجدتني أشكو لها من كتاب حياتي المليء بقصص الخائنين... تجمعت أوجاعنا وكنت أواسيها أثناء قيامها بعملها، أنجزت المهمة على الوجه الأمثل "بضمير زائد" ولكن علينا نحن البشر أن نحذر من الضمير"الزائد" حينما يجتمع مع الغضب في جلسات النساء.
خرجت من عندها لا أشعر بشيء سوى تلك الدماء التي أضاءت وجهي من جديد... يا لها من معجزة كيف أعادت الزمن للوراء وجعلتني -ولأول مرة منذ صيف 2013- أرى وجهي أحمر هكذا؟!!
قبل لقائي مع تلك المرأة ذات الضمير بيومين كنت قد تعرضت بالفعل لعين حمراء من أنثى لا تفعل شيء في حياتها سوى النظر لي وإلقاء نظرة فاحصة ثاقبة تتخللني وبعد نظرتها تلك سرعان ما تأتيني المصائب فرادى أو جماعة.
لا داعي لمعرفة هوية المرأة ذات الضمير ولا معرفة معنى العيون الحمراء؛ لأني أثق تمامًا في ذكاءكم وقدرتكم على تجميع القطع الناقصة من كلامي.
حدثتكم عن كواليس أول أمس والأمس، والآن حان وقت التحدث عن اليوم والاستماع للقديسة والشيطانة.
الشيطانة: يا هبه الفرصة جاتلك على طبق من ذهب، أذهبي بتلك الكدمات قبل أن تختفي آثارها وأعملي محضر، وأكتبي اسم كل المغفور لهم في حياتك، والضابط أول ما هيشوف هذا الوجه البريء متشلفط مش هيهون عليه وهيجيبهم ويبيتهم ليلة في القسم ولا أروع.
القديسة: يا بنتي متسمعيش كلامها دي مفيش حاجة في حياتها غير الشر بلاش تسمعي كلامها يا تتعدي منها، وبعدين يا فالحة هنعمل إيه في الطب الشرعي ما هما أكيد هيكتشفوا أن الكدمات دي مش نتيجة عنف ولا ضرب، ووقتها هتوديها وتودينا كلنا في داهية وتلبسينا تهمة بلاغ كاذب.
الشيطانة: بلاغ كاذب ده لما يشوفوني وأنا مسيطرة عليها، وقتها هيتأكدوا أن كل ده كان شو قصدها بيه تبلغ عن الضحايا قبل ما تبقى هي في موضع الشبهات لو اكتشفوا اختفائهم.
القديسة: ضحايا إيه أنتي عارفة كويس أنها مش واخدة منك جينات الشر وأغلب جيناتها واخدها مني أنا.
الشيطانة: ما هي دي المصيبة أنها عايشة بجيناتك، لو كانت واخدة نص جيناتي على الأقل مكنش ده بقى حالها.
هبه: هو أنتم ليه بتعاملوني وكأني شفافة؟؟ أيتها القديسة لازم تعرفي أن الشيطانة معاها حق، ولو رجع بيا الزمن تاني كنت هنصرها عليكي... وأنتي يا اللي فكراني سفاحة ضحايا إيه اللي هيختفوا؟؟؟ أنا مش عايزة موتهم، موتهم رحمة مش هينولوها دول لازم يعيشوا، لازم حد يقف قصادهم ويحكي لهم عن ذنوبهم اللي هما أصلًا مش مقتنعين أنها ذنوب.
للأسف أنتوا الاتنين طلعتوا جهلة متعرفوش إيه هو المعنى الحقيقي للشر، الشر مش أنك تجرح، تخون، تقتل الشر أكبر وأسمى من كدا بكثير الشر أنك تجردهم من أوهامهم اللي بيرسموها لنفسهم عشان يريحوا بيها ضميرهم، أنك ترجعهم لفطرتهم وبعد كده تلعب على مشاعر الندم عندهم، ولو ماتت مشاعرهم ساعتها بس ممكن تحول مسارك وتشوف نقطة ضعفهم وتستغلها ضدهم، دوروا أكيد هتلاقوا حاجة حلوة في حياتهم لسه خايفين عليها، ونفسهم يحموها.
أنتوا الاتنين لسه تلامذة في مدرسة الشيطنة قدامكم وقت طويل عقبال ما تتعلموا.
الشيطانة: أيوا بقى يا معلم أنت كنت مخبي كل الدرر دي كلها فين.
القديسة: عليه العوض ومنه العوض فوضت أمري لله فيكي يا شيطانة.
هبه: متزعليش أوي كده وتاخدي على خاطرك ما كلنا كنا قديسين في الأول، أنتي اللي معرفتيش تحمينا وقت ما قلبنا لشياطين، وعلى كل الأحوال لسه الأمل موجود اللي فتح مدرسة الشيطنة قادر يعيد بناء مملكة القداسة، بس كل مرحلة ولها ظروفها وأبطالها يرضيكي أدخل حرب مع الأبالسة وأنا لابسة توب الحمل؟!! ها يا شيطانة في أفكار تانية عندك أحسن من المسلسل الهندي اللي حكيتيه ده ولا تعقلي كده وتجيبي ورقة وقلم وتعرفي ليه قالوا إن الانتقام طعام يؤكل باردًا...
كل حوار مع الذات هو جانب خفي من جوانب النفس البشرية يحدث في جزء من الثانية وغالبًا ما تكون عواقبه وخيمة لو توّلى الشيطان الدفة، بس الأسوأ أن يتبرع الإنسان ويمسك هو بزمام الأمور وقتها هندور على كلمة وخيمة بشمعة.
أتعلمون... أحيانًا أشعر أن إبليس وأعوانه أفنوا حياتهم -منذ خلق الله سيدنا آدم وحتى قيام الساعة- هباء؛ لأن ببساطة البشر لا يحتاجون لشيطان يوسوس لهم؛ فما يفعلوه بأنفسهمم ولأنفسهم كافي جدًا لحتفهم في جهنم.
ليست هناك تعليقات